أقرّ البرلمان الجزائري بالإجماع قانونًا يعلن الاستعمار الفرنسي جريمة قانونية، ويطالب باريس باعتذار رسمي وتعويضات، في خطوة نقلتها وكالة فرانس برس وتعكس تصعيدًا سياسيًا لافتًا في العلاقة المتأزمة أصلًا بين البلدين، وتعيد ملف الذاكرة الاستعمارية إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي.

 

تشير صحيفة الجارديان إلى أن الخطوة الجزائرية تأتي في ظل أزمة دبلوماسية حادة بين الجزائر وفرنسا، ويرى محللون أن القانون يحمل طابعًا رمزيًا بالأساس، لكنه يظل ذا دلالة سياسية كبيرة، خصوصًا في توقيته ومضمونه، وفي الرسائل التي يوجّهها داخليًا وخارجيًا حول ثبات الموقف الجزائري من ماضي الاستعمار.

 

تصويت بالإجماع ورسالة للداخل والخارج

 

صوّت نواب البرلمان الجزائري، وهم يقفون في القاعة مرتدين أوشحة بألوان العلم الوطني، على مشروع القانون وهم يرددون هتافات “تحيا الجزائر”، في مشهد احتفالي حمل شحنة رمزية عالية. ينص القانون على أن فرنسا تتحمّل “مسؤولية قانونية عن ماضيها الاستعماري في الجزائر وما خلّفه من مآسٍ”، ويضع هذا الماضي في إطار الجريمة لا الخلاف التاريخي.

 

أوضح رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن هذا التصويت يبعث “رسالة واضحة، داخليًا وخارجيًا، مفادها أن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة”. تعكس هذه الكلمات توجّهًا رسميًا يربط السيادة الوطنية بالحفاظ على سردية تاريخية غير قابلة لإعادة التفاوض، خصوصًا مع الدولة الاستعمارية السابقة.

 

جرائم مدرجة وتعويضات غير قابلة للتنازل

 

يسرد القانون ما يصفه بـ“جرائم الاستعمار الفرنسي”، ويشمل ذلك التجارب النووية، وعمليات القتل خارج إطار القانون، وممارسات التعذيب الجسدي والنفسي، إضافة إلى “النهب المنهجي للثروات”. لا يكتفي النص بالتوصيف الأخلاقي أو السياسي، بل يربط هذه الأفعال بمسؤولية قانونية مباشرة.

 

ينص التشريع بوضوح على أن “التعويض الكامل والعادل عن جميع الأضرار المادية والمعنوية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي حق غير قابل للتصرف للدولة والشعب الجزائريين”. يحمل هذا البند بعدًا تصادميًا، لأنه يفتح الباب نظريًا أمام مطالبات مالية وسياسية طويلة الأمد، حتى وإن ظلّ تنفيذها محل جدل قانوني دولي.

 

يربط القانون هذه المطالب بسجل تاريخي يمتد من عام 1830 حتى 1962، وهي فترة تصفها الجزائر بأنها اتسمت بعمليات قتل جماعي وترحيل واسع النطاق، وصولًا إلى حرب الاستقلال الدامية بين عامي 1954 و1962.

 

خلاف الذاكرة وحدود القانون دوليًا

 

تقدّر الجزائر عدد ضحايا حرب التحرير بنحو 1.5 مليون شخص، بينما يقدّر مؤرخون فرنسيون العدد الإجمالي للقتلى بنحو 500 ألف، يشكّل الجزائريون منهم حوالي 400 ألف. يعكس هذا التباين صراعًا عميقًا حول الذاكرة والأرقام، لا يقل حدّة عن الخلاف السياسي الراهن.

 

سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن وصف استعمار الجزائر بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، لكنه تجنّب تقديم اعتذار رسمي. وعندما سُئل متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال كونفافرو، عن تصويت البرلمان الجزائري، اكتفى بالقول إنه لن يعلّق على “نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية”.

 

من زاوية قانونية، يرى حسني كيتوني، الباحث في تاريخ الاستعمار بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، أن القانون الجزائري لا يملك نطاقًا دوليًا ملزمًا، وبالتالي لا يفرض التزامات قانونية مباشرة على فرنسا. لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن أهميته السياسية والرمزية كبيرة، لأنه “يمثّل قطيعة في علاقة الجزائر بفرنسا على مستوى الذاكرة”.

 

في المحصلة، يعكس هذا القانون انتقال الجزائر من خطاب التذكير بالماضي إلى تشريعه، ومن المطالبة الأخلاقية إلى الصياغة القانونية، حتى لو ظل الأثر العملي محدودًا. يرسّخ النص موقع الذاكرة الاستعمارية كأداة سيادية، ويضع العلاقات مع فرنسا أمام معادلة أكثر توترًا، حيث لا تُختزل الخلافات في المصالح الراهنة، بل تمتد إلى جذور التاريخ غير المحسوم.

 

https://www.theguardian.com/world/2025/dec/24/algeria-passes-law-declaring-french-colonisation-crime